اطار مدينة القدس

اطار مدينة القدس

لتفرغه من روحه.. حوِّله إلى تقني​!

من مدونات باسل الأعرج

التعامل التقني مع الأفكار وانهيار الحضارات

رافق دائمًا انهيار الحضارات والدول والمشاريع ظاهرة غريبة جداً، نسمع مقولات ونضحك عليها إلا أننا للأسف نطبقها دائمًا!
مثلًا: كان يقال أنه عندما كانت القسطنطينية محاصرةً كان القساوسة يناقشون كم شيطان يستطيع أن يقف على رأس الإبرة، وهكذا دواليك من مقولات راجت، حتى في انهيار الأندلس وسقوط بغداد كانت المقولات هكذا أيضًا.
وفي عصر انهيار الخلافة العثمانية وما بعدها لفترة طويلة سار الأمر أيضًا على نفس النهج، لغاية عدة سنوات سابقة كان أغلب الخطاب الإسلامي السلفي مثلًا يدور حول كيفية دخول الحمام وكيفية الطهارة، وكيف يقل أجرك لأنك لا تجلس جلسة الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة.

الإسلام تم تدمير مشروعه السياسي عبر تحويله إلى تقني بحت على حساب روحه!
ومع أني لا أحب أبدًا أن أستخدم داعش في توصيف الأشياء، الإ أن داعش ليست أكثر من جماعة يقدمون التقني على الروح… إغراقٌ هائلٌ في تفاصيل ما يخرجك وما يدخلك إلى الاسلام بشكل مذهل… تقنيين الى أبعد حد!

الأمر ليس مرتبطًا فقط بالأديان، بل أيضًا الماركسية مثلًا… تخيل أن تقضي وقتًا طويلًا وأنت تسمع نقاشًا طويلًا عريضًا عن التروتيسكية، وهل هي هرطقة أم أنها إصلاح، ولاحقًا تكتشف أن الطرفين متحالفان مع قوى رأسمالية ومتصارعان في ما بينهما!

إن أردت تفريغ شيء ما من روحه ليس عليك إلا إن تحوله إلى تقني، هذا الأمر سيصنع عندك قائمةً طويلةً لا متناهية من الأشياء الصغيرة التي ستنسيك الهدف الذي جاءت من أجله الفكرة، ومع الوقت يتحول الأمر إلى لوائح مثل لوائح التعليمات البيروقراطية في الدوائر الحكومية المصرية، لتصاب بالجمود الكامل لاحقًا والانهيار.

هكذا جرى إبادة العمل السياسي في فلسطين

مذ جاءت اوسلو التي نسيت السياسي وتمسكت بالتقني ابيدت السياسة في بلادنا ، هذا التحول الى التقني هو ما افرز تغير مجالات العمل السياسي.
مثلا يجهد شاب حزبي من الداخل في وصف العمل السياسي في الداخل في طرحها في مئات من الكلمات تتحدث عن ما هو العمل السياسي الحزبي ، لتكتشف انه يتحدث عن تقنية الاجراءات الديمقراطية والانتخابية والتراتيبية في الحزب ، ويعتبر ان تلك التقنيات هي روح العمل الحزبي السياسي في فلسطين .
في حين ان السياسة الحقة في فلسطين هو ما فعله ابناء ابو جمل الذين انكرهم اعضاء الكنيسيت العرب.
الأمر أيضا يرتبط بالعمل التطوعي، فالعمل التطوعي تعريفه تقنيا هو عمل بدون أجر، لكن بالمعنى الواسع هو عمل بدون أجر لتحقيق هدف سياسي، وإن غاب السياسي عن الأمر فلست سوى أداة في المنظومة القائمة .
الطيرواي مثلاً بكل بساطة يشرح أن التنسيق الأمني هو ” اسرائيل بتقلنا هاد بدو يعمل عملية روحوا اعتقلوه بنروح بنعتقله ليش بتكبروا الأمر ” وكلامه صحيح ليش بنكبر الأمر ما دمنا نقيس الأمور بناحية تقنية، وتقنيا مش هالأشي الكبير ما يفعلونه بالتنسيق الأمني ، لكن إن أعدت له السياسي هناك سترى بشكل أوضح الأمور .
لاحظوا مثلاً عندما نتمسك بالتقني في نقاش التطبيع والمقاطعة كيف يتم تفريغ محتوى وروح المقاطعة، يصبح الأمر ببساطة ” وشو يعني إذا ختموا على جواز سفري اليهود ؟؟ ” الطرح التقني للمقاطعة هو ما أوصل إلى هذا، عندما يتم طرح السؤال فعلياً أقف مع ذاتي وأقول صحيح “شو هالمشكلة الكبيرة إذا ختموا على جوازه”، لكن عندما أعود أنظر للأمر بمنظوره الصحيح السياسي تجد الأمر يختلف تماما ، لا يصبح الأمر وصف ممجوج ( التطبيع ) بل يتعداه الى “عمالة لايت “.


> إقرأ المزيد من مدونات باسل الأعرج

من هو الفلسطيني

قس أيضا على مفهوم الفلسطيني، بين كل كلمتين “بينط واحد بقلك يعني أنا مش فلسطيني ويعني أنا مش وطني ومين إنت عشان توزع شهادات؟؟” ، تقنيا الفلسطيني تعريفه تم وضعه في الميثاق الوطني على أنه ” هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947، سواء من أخرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها هو فلسطيني” ، وأجد نفسي مباشرة امام تناقض غريب، فحسب هذا التعريف الجندي الذي يخدم في جيش العدو هو فلسطيني أما الشباب اللبناني والإيراني والسوداني والمصري الذين يهربون السلاح الى غزة ليسوا فلسطينين، وتقنياً الإنتماء والفزعة يجب أن تكون للأول وليس للثاني .
كيف يمكن أن أستسيغ أن يجمعني إنتماء مع شخص يقر بأن أولاده أغلى من فلسطين وأنه سيعترف بأي شيء لحماية أبنائه، في حين إن أم البطل أحمد الدقامسة التي صرخت في ابنها في المحكمة ” ارفع راسك ” انها ليست فلسطينية .
لن تستسيغ هذا إلا إذا نظرت إلى التعريف والإنتماء على أنه أمر تقني وتناسيت السياسي.
والسياسة في فلسطين هي” تحريرها من النهر الى البحر ” وتجاوز تحويلها الى تقني ( دولة واحدة، دولتين، دولة متوازية، ثنائية القومية، لكل مواطنيها )

 

باسل الاعرج
2013

من مدونات باسل الأعرج على صفحته على فيسبوك عام 2013 والتي لم تعد متاحة حالياً

شارك المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on google
Share on linkedin

شاركنا مقالات تقترحها

أرسل إلينا روابط المقالات التي ترى انها تصلح لنضيفها إلى صفحة غخترنا لكم.

غول مدارس الاحتلال يسرق طلاب القدس

غول مدارس الاحتلال يسرق طلاب القدس

​ مقال على موقع متراس، 22 سبتمبر 2022   منذ عام 2017، ينتقل بالمعدل 970 طالباً مقدسياً من واحدة من المدارس الفلسطينيّة الخاصّة إلى إحدى المدارس التابعة للنظام التعليمي الإسرائيلي مباشرةً (مدارس البلدية)، وبالأخصّ إلى تلك التي تُعلّم منها المنهاج الإسرائيليّ. ما بين...

موسم النبي موسى.. سيرَة أُمة مُقاتلة

موسم النبي موسى.. سيرَة أُمة مُقاتلة

موسم النبي موسى.. سيرَة أُمة مُقاتلة مقال على موقع ultra فلسطين، 11 أبريل 2019  قد تجلى البُعد الجهادي لموسم النبي موسى بوضوحٍ في أحداثٍ عِدّة تسارع خلالها الفلسطينيون للمشاركة في القتال والمُباشرة بالفعل المُقاوم، فتحولوا من مُحتفلين يُرددون الهُتافات الحَماسية إلى...

القدس: مجتمع يتمرّد على الكارثة

القدس: مجتمع يتمرّد على الكارثة

القدس: مجتمع يتمرّد على الكارثة مقال على موقع السفير العربي فلسطين، 2021 نسيان 24   تتضاعف هذه الممارسات في بلدة القدس القديمة – المركز التاريخي للمدينة وأسواقها وحرم المسجد الأقصى الذي يشكّل قلب المدينة النابض. يحاولون تفريغ الأسواق، وتقسيم المسجد الأقصى مكانياً...

Pin It on Pinterest